الجنس : عدد المساهمات : 40 تاريخ الميلاد : 25/06/1990 تاريخ التسجيل : 22/06/2014 العمر : 34
موضوع: دخول الجنة بالعمل والدخول على الله بالأدب الخميس فبراير 26, 2015 7:26 pm
الحَبيب المُصطفى صلى الله عليه وسلم بلغ ما بلغ به من القرب عند ربه بأدبه مع حضرته، فقد قيل: دخول الجنة بالعمل، والدخول على حضرة الله بالأدب، ولذلك عندما مدح الله حَبيبه ومُصطفاه في كتاب الله مدحه بحسن سمته وأدبه مع مولاه، فقد عرض عليه جمالات السماوات، وجمالات الجنة، وجمالات العرش والكرسي، وكل الجمالات العلوية، وقال فيه: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم17
لم يلتفت إلى شيء، وحتى لا نظن أنه لم ير قال الله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} النجم18 رأى الآيات الكبرى لكنها لم تشغله عن الكبير المتعال عز وجل، فبُحسن أدبه صلى الله عليه وسلم رُفع مقامه وقدره على جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وغيرهم عند ربه عز وجل.
ولذلك الباب الأعظم الذي ينبغي أن يستمسك به الأحباب المتعرضين لفضل الكريم الوهاب حُسن الأدب، وقد قيل: حُسن الأدب في الظاهر عنوان جمال الباطن.
أنت تزعم أن باطنك جمال وكمال وفيه خوف من الله وخشية لله، ما الذي يدلنا على ذلك؟ حُسنُ أدبك الظاهر مع الله بين يدي خلق الله، ولذلك ينبغي على المريد السعيد أن يتجمل بالأدب الذي كان عليه حَبيب الله ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم.
والآداب لسعتها لا نستعرضها بجملتها وإنما نشير إلى ما كان عليه الحَبيب في شأنها، فنشير أولاً إلى أدبه صلى الله عليه وسلم في الاستئذان.
فلم يكن صلى الله عليه وسلم يستقبل باب منزل بوجهه، بل كان يُقبل من جانب الجدار، أي لا يواجه الباب، حتى لا يقع نظره فجأة على ما لا يُحب أن يراه، فعن عبد الله بن بسر المازني رضي الله عنه قال: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ مَشَى مَعَ الْجِدَارِ، وَلَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ وَلَكِنْ يَقُومُ يَمِينًا وَشِمَالا فَيَسْتَأْذِنُ، فَإِنْ أُذِنَ لَهُ وَإِلا رَجَعَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُنْ لأَبْوَابِهِمْ سُتُورٌ}{1}
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر من معه أن يُعلِّمون من لا يُحسن الاستئذان بأدب الاستئذان، اسْتَأْذَنَ رجل من بني عامر عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ: أَألِجُ؟، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِ: {اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ}{2}
لا كلام قبل السلام، فتعلَّم الرجل، وهذا الأمر نتهاون فيه جميعاً، ونخشى من الناس ولا نخشى من رب الناس الذي أمرنا أن نوجِّه إخواننا إلى ما فيه خيرهم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: {أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا، فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: أَنَا، أَنَا، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا}{3}
لا بد أن تذكر إسمك كاملاً، وأظن أن هذا الأدب ينبغي علينا جميعاً أن نلاحظه في الهاتف، لو اتصلت برجل ولو كنت تعرفه ويعرفك، ربما يكون نائماً، أو في حالة لا تسمح له بتبين صوتك، فينبغي لمن يتصل أن يقول: أنا فلان الفلانى، أو معك فلان الفلاني من بلدة كذا.
وحتى يُعلِّمنا صلى الله عليه وسلم كراهة الوقوف أمام الباب، والكراهة الأعظم النظر من ثقب في الباب؛ يقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: {أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَلْقَمَ عَيْنَهُ خُصَاصَةَ الْبَابِ، فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَخَّاهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ عُودٍ لِيَفْقَأَ عَيْنَهُ، فَلَمَّا أَنْ بَصُرَ انْقَمَعَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إِنَّكَ لَوْ ثَبَتَّ لَفَقَأْتُ عَيْنَكَ}{4}
لماذا تتجسس على الناس: {وَلَا تَجَسَّسُوا} الحجرات12 لماذا تنظر إلى عورات غيرك؟
وكان صلى الله عليه وسلم إذا استأذن يقول: السلام عليكم أنا محمد رسول الله، ويُكررها ثلاث، وبين كل مرة والثانية يصمت ليسمع الرد، فإذا لم يسمع الرد بعد الثلاث يرجع، وقد جاء في أدب الاستئذان شرحاً للثلاث: الأولى يستنصتون، والثانية يستعدون، والثالثة يأذنون أو لا يأذنون.
وكان الأنصار أصحاب أريحية وألمعية ومحبة صادقة لخير البرية، يقول قيس بن سعد بن معاذ رضي الله عنهما: {زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْزِلِنَا، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ سَعْدٌ رَدًّا خَفِيًّا، قَالَ قَيْسٌ: فَقُلْتُ: أَلا تَأْذَنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ ذَرْهُ: يُكْثِرُ عَلَيْنَا مِنَ السَّلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ سَعْدُ رَدًّا خَفِيًّا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال: قضينا ما علينا، وَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ تَسْلِيمَكَ وَأَرُدُّ عَلَيْكَ رَدًّا خَفِيًّا لِتُكْثِرَ عَلَيْنَا مِنَ السَّلامِ}{5}
{1} سنن البيهقي ومسند أحمد {2} سنن أبي داود ومسند أحمد {3} صحيح البخاري وسنن أبي داود {4} سنن النسائي والبيهقي {5} سنن أبي داود ومسند أحمد