تحت
مسوغ رفع السوية الأمنية ومنح الأمان لسكان مستوطنة "المطلّة" الحدودية مع
لبنان، شرع الاحتلال الإسرائيلي ببناء جدار إسمنتي بارتفاع ثمانية أمتار
وامتداد يصل لكيلومتر واحد قابل للزيادة.
وتأتي فكرة الجدار مكملة
لسياق العقلية الإسرائيلية الرامية لعزل إسرائيل عن محيطها أمنيا، تماماً
كما حدث في جدار الضفة وغزة وما جرى الإعلان عن تشييده مستقبلا في كل من
سيناء وغور الأردن وكذا الجولان السوري المحتل.
ومن المقرر أن يؤدي
بناء الجدار -الذي تسلمت قوات اليونيفيل الدولية مهمة تنسيق متابعته بين
الطرفين- لعزل تام بين طريق الدوريات العسكرية الإسرائيلية ومساكن أهالي
بلدة كفر كلا اللبنانية الحدودية بوصفها إحدى المناطق الساخنة.
وتطل
بلدتا كفر كلا والمطلة على بعضهما ويمكن للمارة مراقبة كل ما يحصل في
أراضي الجانبين اللبناني والإسرائيلي بوضوح، كما أنهما تشكلان بوابة
مشتركة.
انقسام
الجانب اللبناني من جهته انقسم بشأن الموقف من
الجدار، فلجنة الدفاع الوطني النيابية وصفت الخطوة بـ"الأمر الخطير، ويشكل
خرقاً لقرار مجلس الأمن 1701 لتعلقه بأراض متنازع عليها بين لبنان
وإسرائيل"، مطالبة برفع الأمر للمراجع الدولية وصولا لوقف البناء.
فيما
اقتصر موقف الجيش اللبناني على اشتراط أن يكون مشرفاً مباشرا على عملية
البناء بدون وسطاء، إلى جانب اشتراطه عدم الاقتراب الإسرائيلي من نطاق الخط
الأزرق وهو الشريط الشائك اللبناني الذي أعيد ترسيمه دولياَ العام 2000.
ويرى
الباحث في الشأن الإستراتيجي الدكتور محسن صالح أن سياسة الجدر الإسمنتية
الإسرائيلية دلالة على نمو حالة الخوف المتزايدة لدى الاحتلال من جهة، ومن
جهة أخرى تدل على نوايا عدوانية مستقبلية تجاه الآخر.
واستغرب صالح
في تصريح للجزيرة نت إقدام الاحتلال على بناء الجدار في وقت ينتهك فيه
يومياً السيادة اللبنانية ويتعدى فيه على القرار الأممي 1701، فيما يدعي
دوما أنه المستهدف والمظلوم وصاحب سياسة الدفاع لا الهجوم.
وعزا
صالح الاختلاف اللبناني بشأن مبدأ بناء الجدار بالقول "لا نستطيع الحديث عن
موقف واحد داخل لبنان، التركيب الداخلي يخلق دوما تباينات لكن الكل متفق
على حماية الحدود من أية تعديات على السيادة".
سياسة الإنغلاق
من
جهته اعتبر مدير مركز شرق المتوسط للدراسات والإعلام ماجد عزام أن إسرائيل
لا تريد أن تعي ببنائها للجدار أن السلام والأمان لها لا يتأتيان بالجدر
والتحصينات بل بالوسائل السياسية لا "الإسمنتية".
وأضاف للجزيرة نت
أن فكرة الصهيونية التي جمعت اليهود من أنحاء العالم ووضعتهم في فلسطين
هربا من سياسة "الغيتو" في أوروبا، تجد نفسها اليوم مرغمة على وضع نفسها
وبإرادتها داخل غيتو كبير محاط بالجدر والأسلاك الإلكترونية.
وقال
إن فكرة الجدار تأتي أيضا للتدليل على عدم طمأنينة الاحتلال من جانب الحدود
اللبنانية وخشيته من عمليات مقاومة ضد جنوده مستقبلا، خلافا لحالة الأمان
التي تعيشها حدود الاحتلال على الجبهات الأخرى.
وكانت صحيفة
يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أشارت إلى أن الجدار الفاصل الجديد سيؤدي
لحرمان اللبنانيين من منصة احتكاك كانت الأبرز في السنوات الأخيرة، والتي
شكلت موضعاً للتظاهر ضد إسرائيل من ناحية وللتضامن مع الفلسطينيين من ناحية
أخرى.