يقول د. خالد جودت أستاذ جراحات السمنة بجامعة عين شمس إن عمليات تصغير المعدة تضمن أن يفقد الإنسان وزنه ولا يعود لزيادة الكيلوغرامات بعدها أبداً.
ويلفت الخبراء إلى أن الحصول على النتيجة المأمولة مشروط بإجراء الجراحة المناسبة للمريض لأن هناك أكثر من ست جراحات مختلفة، وما قد يلائم أحد المرضى منها قد لا يلائم مريضاً آخر في نفس الوزن.
فهذه الجراحات منها جراحات بسيطة دون تغيير طبيعة الجهاز الهضمي مثل جراحات تدبيس المعدة، وجراحات تصغير المعدة، وفيها يتم تكوين جيب صغير في مدخل المعدة ويشعر فيها الإنسان بالشبع بعد تناوله لكمية صغيرة من الطعام، ولا يستطيع أن يتناول أية زيادة إلا بعد أن يفرغ الجيب ما فيه من الطعام. وهناك جراحات أكثر تعقيداً، ومنها تدبيس المعدة مع التحويل للأمعاء، وتعمل بنفس طريقة التدبيس، مع منع تناول الكثير من الحلويات، ومنها جراحات يتم فيها استئصال جزئي للمعدة مع التحويل للأمعاء على مسافة بعيدة بحيث لا يهضم الإنسان ولا يمتص غير البروتينات.
وفي هذه الجراحات يتناول الإنسان كميات أكبر من الطعام ولا يمكنه امتصاص إلا البروتينات، وبعض النشويات. وبعد الجراحة يفقد الإنسان الوزن الزائد تدريجياً، وفي خلال عام ونصف يصل للوزن المثالي له، ولا يعود لزيادة الوزن بعد ذلك أبداً.
ففقدان الوزن يكون مصحوباً بالشفاء من الأمراض المصاحبة للسمنة، مثل ارتفاع الضغط، حيث يشفي أكثر من 93 بالمئة من مرضاه، والسكر يشفي حوالي 86 بالمئة من مرضاه، ويتوقفون عن أخذ حقن الأنسولين وتنخفض تدريجياً نسبة الكوليسترول والدهون في الدم، وبذلك يختفي تأثيرها المدمر على الشرايين والقلب.
أما عن المفاصل وآلام الظهر فتتحسن حالة المصاب ويعود شيئا فشيئا للمشي والحركة، بعد أن كان قعيد الفراش تقريباً. أما عن اضطراب الدورة وضعف الإنجاب فيتحسن كل ذلك وتصبح الدورة طبيعية وتتحسن جداً، ومعها تتحسن الحالة النفسية للمريض.
ويعتبر د. جودت أن جراحة تصغير المعدة بالمنظار أحدث صيحة في عالم جراحات السمنة المفرطة، وشعبيتها في تزايد ، لأنها تجرى من خلال فتحات صغيرة في جدار البطن.
وأضاف: “لنا الفخر أننا كنا أيضا أول من أجرى هذه الجراحات بالمنظار في مصر، وقدمنا بحثاً في ذلك عن “جراحات السمنة بالمنظار” في مؤتمر طبي عقد بإيطاليا ، يقارن بين إجراء جراحات السمنة بالمنظار وبين إجرائها (ولأول مرة في العالم، من فتحة صغيرة جداً في جدار البطن دون منظار، (فتحة ميني) تماثل في حجمها جرح استئصال الزائدة لنفس المريض وجراحة التصغير تتميز بإجرائها بالمنظار من خلال فتحات صغيرة في جدار البطن ودون آلام تقريباً بعد العملية.
وتتميز بإمكان توسيع وتضييق الفتحات عن طريق الجلد بعد الجراحة للتحكم في كمية الأكل الممكن تناولها. والكثير من المرضى يتساءلون عن حدوث الترهلات بعد فقدان كمية كبيرة من الوزن بعد الجراحة، وقد وجدنا أن الانتظام في الرياضة بعد الجراحة يعيد للجلد خصائصه ويعيده لوضعه الطبيعي”.
التقينا بعض الحالات التي أجريت لها عملية التخريم في مصر، ومن بين المستجوبين (م. م) عمرها 32 عاماً ووزنها 190 كغم، قالت: أجريت العملية بعد أن فشلت في الريجيم والإبر الصينية وغيرها، وبعد الجراحة نقص وزني بمقدار 100 كغم ؛ والآن أنا وزني 90 كغم، وأواظب على الرياضة بانتظام، وقد اختفت ترهلات الجلد أثناء فقدان الوزن.
أما أحمد ابراهيم فكان وزنه 148 كغم ويقول: كنت أعاني من ارتفاع الضغط وتآكل بالمفاصل جعلني غير قادر على الحركة والآن أصبح وزني 84 كغم، وقد تلاشت آلام المفاصل وأنا الآن في تحسن بعد إجراء العملية.
ويقول مريض آخر: كان وزني 200 كغم ولمدة “15عاماً” لم أستطع النوم إلا وأنا جالس، وفقدت حياتي الزوجية، وأخيراً أجريت جراحة “تدبيس المعدة” منذ ثلاث سنوات، واستقر وزني على 86 كغم بعد سنة ونصف، وشفيت تماماً من كل مشاكل السمنة.
السمنة المفرطة تخلف أمراضا اجتماعية مثل الفشل المهني وصعوبة الزواج عند الفتيات واحتمالات ضعف الإنجاب
وتضيف د. هند عثمان أن علاج السمنة يتمثل في فقدان الوزن الزائد وهو الجزء السهل حيث أنه يمكن أن يعطي نتائج للمريض على المدى القصير.
كما أن طرق علاج السمنة الحالية مثل النظام الغذائي (ريجيم) مع الرياضة والأدوية مع الإبر الصينية قد تنجح في إنقاص الوزن، ولكنها تفشل في عدم العودة لزيادة الوزن، وبالعكس فهي عادة تنتهي بزيادة الوزن ، لأن كل هذه الطرق تعتمد على الحرمان من أصناف أو كميات من الطعام وإن عاجلاً أو آجلاً يمل الإنسان هذا الحرمان ويعود إلى الأكل بشراهة أكبر لينتقم لما عاناه خلال فترة الحمية، وتكون النتيجة النهائية هي زيادة الوزن وليس فقدانه.
كما ينصح المختصون بالابتعاد أكثر ما يمكن عن تناول أدوية التخسيس لما لها من مخاطر وعواقب وخيمة على الصحة، ويظل المستفيد الوحيد من ازدهار تجارتها الشركات المنتجة التي تبيع الوهم لزبائنها دون الاكتراث إلى الآثار الجانبية، لاحقا.
ويرجع د. اسماعيل محمد أستاذ علاج السمنة بكلية طب القصر العيني بالقاهرة سبب تسمية “السمنة المفرطة” إلى الأمراض العديدة والخطيرة التي تصاحبها مثل ارتفاع ضغط الدم المزمن الذي يحدث نتيجة ترسب الدهون في الشرايين، مما يسبب إنهاكاً للبنكرياس، نتيجة السمنة ويؤدي لعدم القدرة على إدرار الأنسولين الكافي لحرق تدفق السكريات بغزارة في الدم فينتج عنه مرض السكر. وبالنسبة إلى القلب، تتسبب السمنة في انسداد الشريان التاجي مما ينتج عنه جلطات القلب والذبحة الصدرية.
وكانت جمعية القلب الأميركية- في تقرير حديث لها- قد حذرت من خطر السمنة المفرطة باعتبارها المسؤول الأول عن الموت المفاجئ نتيجة السكتة القلبية والتي تحدث بنسبة أعلى لهؤلاء المرضى.
وتؤثر السمنة أيضا على فاعلية الجهاز التنفسي وتبدأ مشاكله بالشخير المزعج ومضايقاته للزوجين ثم تزيد إلى أن يصل الأمر إلى توقف التنفس أثناء النوم، وفي الحالات الشديدة لا يستطيع المريض النوم إلا جالساً.
ومرضى السمنة معرضون لآلام مزمنة بالظهر وتآكل المفاصل، وخاصة الركبة والكاحل، نتيجة الحمولة الزائدة على هذه الأجزاء، وينتهي الأمر بالمريض قعيدا للفراش إذا لم يفقد وزنه بلا رجعة وتتسبب السمنة أيضاً في حصوات المرارة.
تجدر الإشارة إلى أن انعكاسات السمنة المفرطة لا تقتصر على الجسد فقط وإنما تخلف أيضاً أمراضا اجتماعية مثل الفشل المهني والرفض من المجتمع وصعوبة الزواج عند الفتيات واحتمالات ضعف الإنجاب بعد الزواج.
والمعروف أن معظم هذه الأمراض تشفى تماماً أو تتحسن تحسناً ملحوظاً بعد فقد الوزن.
ويؤكد د. مصطفى علي استشاري أمراض السمنة بجامعة القاهرة أن كثيراً من المرضى يلقون اللوم على اختلال الهرمونات أو العوامل الوراثية، وهذه تمثل نسبة ضئيلة من الحالات، وعادة تكون هذه هي الشماعة التي تبرر للمريض كميات الأكل عالية السعرات التي يلتهمها بلا هوادة.
ويلاحظ أن السمنة تجري بين أفراد العائلة الواحدة لاشتراكهم في نفس العادات الغذائية الخاطئة، ومن هذا نستنتج أنها أسلوب حياة خاطئ فيه أكل كثير ومجهود قليل وهذا هو المحور الأساسي لعلاج السمنة، حيث يجب تغيير هذا الأسلوب الخاطئ تماماً سواء بقوة الإرادة أو بالجراحة.
أما د. هند محمد عثمان استشارية السمنة فلها رأي آخر حيث تقول إن مرضى السمنة ليسوا مسؤولين عن سمنتهم كما ينظر الناس إليهم بل هم ضحايا، ذلك لأن جهازهم الهضمي أكثر كفاءة منه عند النحفاء، وبذلك فهم يهضمون ويمتصون سعرات أكثر من نفس كمية الطعام الذي يأخذه الشخص العادي. وهم أيضاً يحرقون كمية أقل من السعرات مما يؤدي إلى تخزين السعرات الزائدة في الجسم في صورة دهون.
والدليل على ذلك أن نفس كمية الطعام عندما يأخذها الشخص البدين يزيد وزنه، في حين أن الشخص العادي لا يزيد وزنه والشخص النحيف قد ينقص وزنه بها.
وقياسا على ذلك فالبحوث العلمية تؤكد أن الشخص النحيف ليس بالضرورة أفضل من السمين، لأن عدم سمنتهم هي هدية لهم حيث أن أجهزة جسمهم تحافظ لهم تلقائيا على وزن يعتبره المجتمع طبيعيا.
والمطلوب من المجتمع أن يغير نظرته للمصابين بالسمنة أو بالنحافة الشديدة؛ حيث إنهم يجدون صعوبة شديدة في التحكم في وزنهم. وعلى ذلك فمرضى السمنة هم الضحايا لطبيعة جسمهم وهو ما اكتسبوه بالوراثة ومن خلال المجتمع.
