نسمع بين الحين والآخر عن بعض المنتجات التجميلية التي باتت متوافرة بكثرة في الأسواق العالمية والمحلية، ويقبل عليها الناس بطريقة هستيرية، بسبب الدعايات الكبرى التي تروج لها وتؤكد أنها ستعطي نتائج مذهلة.
قد لا يكون الكثيرون ممن يشترون هذه المنتجات على دراية كافية بالمواد التي تحتوي عليها تلك الكبسولات أو الحقن أو الكريمات، وهذا بحد ذاته يعتبر كارثة قد تؤدي إلى نتائج عكسية على البشرة، وذلك بسبب عدم توافق المنتج مع نوع البشرة.
السؤال الذي نحن الآن في صدد الإجابة عنه: هل هذه المنتجات، أو إذا صح إطلاق وصف الدواء عليها سواء كانت كريمات أو حقنا أو حبوبا، هي ذات فاعلية لأجسامنا وبشرتنا، مع التأكيد أن المنتج لم يحصل على شهادة معتمدة من منظمة الأدوية العالمية تؤكد سلامة استخدامه.
منتجات التفتيح
من المنتجات التي تباع بكثرة في الاسواق ومراكز التجميل اليوم منتجات لتفتيح البشرة وعلاج البقع واسوداد الجلد، وهي باختلاف نوعياتها تحتوي على مادة تدعى الغلوتاثيون، وهنا مدار الحديث، فالمنتج قد يكون سليما من جهة التركيبات الأخرى إلا ان هذه المادة يجب الوقوف عندها مليا وتعريف القراء بها.
الغلوتاثيون
الغلوتاثيون باختصار هي مادة حيوية يفرزها الكبد، حيث يعتبر أكبر مخازن وجودها، وتوجد أيضا في الرئتين والقناة المعوية، وتصنف من البيتدات الثلاثية. وهي تتكون من 3 أحماض أمينية، السيستين والجلوتاميك والجلايسين، وهذا ما جعلها تدخل ضمن الأحماض الامينية.
إفراز الجسم لهذه المادة ضروري للغاية، فهي تزيل السموم التي تطرحها بعض المركبات الضارة ليتم التخلص منها عن طريق الصفراء، كما يسهم البعض منها في حال دفعه في مجرى الدم إلى المحافظة على خلايا الدم الحمراء وحماية البيضاء منها، لذلك فإن تقدم العمر يسبب انخفاض مستويات إفرازها.
ويسبب نقص الغلوتاثيون في الجسم بسبب تقدم السن الكثير من الأعراض الخطرة في بعض الاحيان، فهذه المادة تساعد في عملية أيض الكربوهيدرات، ولها تأثيرات مضادة على الشيخوخة من خلال منح الجسم المزيد من الحيوية والتعامل المباشر مع الخلايا الحمراء والبيضاء، إلى جانب تفتيت الدهون المؤكسدة التي تتسبب غالبا في تصلب الشرايين.
ولا تقف الأمور عند هذا الحد لدى كبار السن، بل تتجاوزها ايضا إلى الجهاز العصبي. فنقص الغلوتاثيون قد يكون مسببا لنقص التناسق الحركي والإصابة بالاضطرابات العقلية والارتعاش، وقد يصل إلى اختلال التوازن وعدم القدرة على الحركة بطريقة صحيحة.
مضادة للأكسدة
تعد هذه المادة مضادا فعالا للأكسدة أيضا، فهي تمنع الذرات الحرة من التكون، وتحمي الخلايا من الإصابة بالتلف، من خلال حماية الجسم عبر معادلة جزيئات الأوكسجين والتعاون مع السيلينيون في صناعة انزيم يطلق عليه اسم الغلوتاثيون ببروكسيداز لمعادلة بيروكسيد الهيدروجين.
وتساعد الغلوتاثيون في علاج أمراض الدم والكبد، وتحمي الجسم من تبعات التدخين وآثاره والعلاج الكيميائي للسرطان أيضا، وتعتبر واقيا حقيقيا من السموم التي تجلبها العقاقير، وتحمي الجسم أيضا من خلال تكوين أنزيم مضاد للاكسدة اسمه الغلوتاثيون اس ترانسفيراز لإزالة سموم الكبد وإعادة التوازن للجسم وخصوصا لكبار السن، وحماية الأنسجة والمخ وخلايا جهاز المناعة والكليتين والعينين والرئتين وأنسجة الشرايين.
تبييض البشرة
بعد أن علمنا كل هذه الفوائد لهذه المادة، قد يعتقد البعض أنها المادة التي يبحث عنها، خصوصا إذا ما علم أنها تحمي الجلد من التدمير الذي تسببه الأكسدة وقيام المادة أيضا بتبييض البشرة وجعل لونها مختلفا عن ذي قبل، وهو ما لوحظ على مرضى السرطان الذين يتناولون كبسولات تحتوي على هذه المادة فيصبح لديهم جلد أكثر ابيضاضا ونضارة.
ومن هنا انطلقت الفكرة، فبعد أن تمت ملاحظة التغييرات على ابدان المصابين بأمراض السرطان وتفتيح لون بشرتهم بطريقة مذهلة تنافست الشركات على تصنيع منتج يحتوي على مادة الغلوتاثيون، فأخذوا يستخدمونه على الجلد للحصول على جلد أبيض، لكن غاب عن الكثيرين أن هذه المادة ليست متخصصة بهذا المجال، فليس من مهامها تفتيح البشرة، لكنها أحد الأعراض التي قد تسببها حال تناولها بكميات مختلفة، ونؤكد هنا أن النتائج غير مضمونة.
نتائج مخيبة للآمال
عند ظهور هذه المادة والدعاية الكبرى لها، تراكض الجميع لشرائها، خصوصا الراغبات في تفتيح لون بشرتهن وجعلها بيضاء، ولكن النتائج كانت مخيبة للآمال لدى الكثيرات. فبعد أن حصلن على كميات من الكبسولات وتناولنها بشكل كبير، لم يكن لهن ما أردن. فهذه المادة لا تستطيع أن تحقق لك اللون الذي ترغبين فيه، كما لا يمكن ضمان تفتيح عام للبشرة، فقد يتم تفتيح مناطق مختلفة من جسمك وهذا ما لا ترغبين في الوصول إليه.
لقد أثبتت التجربة التي خاضتها الكثيرات ان هذه الحقن والكبسولات ليست إلا وهما يباع للناس، وبأن المبالغ الكبيرة التي دفعنها لشراء كميات كبيرة من المادة لم توصلهن إلى الهدف المطلوب، فشركات التجميل سوقت لهن الأحلام وباعتهن الأماني، ولم يحصلن على الفائدة المرجوة.
مكمل غذائي
ما يهمنا هنا أننا إذا رغبنا في تناول هذه المادة فعلينا عدم التركيز على أن من مهامها تفتيح لون البشرة فهذا وهم، وإنما الاستفادة منها باعتبارها مكملا غذائيا وهذا ما نجده حاصلا في الأسواق، حيث يتم بيع هذه الكبسولات بأسعار زهيدة على أنها مكملات غذائية تفيد الجسم وتحميه من الكثير من الأعراض والأخطار كما ذكرنا سابقا.
مصادر طبيعية
إذا لم يكن لديك الرغبة في شراء الكبسولات، فهناك الكثير من المصادر الطبيعية حيث بالإمكان الحصول على الجلوتاثيون من خلال الإكثار من تناول الفواكه كالعنب والجزر والبرتقال والأفوكادو والبروكولي والغريب فروت والبطيخ والكرز والتوت بأنواعه كلها والفريز أيضا، بالإضافة إلى إمكان الحصول عليه من الخضروات، فهو متوافر بشكل جيد في الثوم والطماطم والسبانخ والكوسا، والبطاطا بأنواعها المختلفة.
وننصحك بتناول الجلوتاثيون عن طريق الاطعمة الطبيعية والابتعاد عن تناولها على شكل مكملات غذائية، فإذا كان هناك بديل طبيعي غير مصنع فهو الافضل دائما ولا يمكن الاستغناء عنه واللجوء إلى غيره، وهذا ما يجعلنا نشعر دائما بالنشاط والحيوية عندما نتناول الاطعمة الطبيعية فهي تقوم بعمليات تنظيف الكبد والدم ومساعدة الجسم على النشاط وتمنح البشرة النضارة الطبيعية.
طرق آمنة
إذا أردت الحصول على لون أفتح فلا تلجئي لتناول الغلوتاثيون وإنما عليك اتباع الطرق المعروفة لتبييض البشرة كالتقشير الكيميائي واللجوء الى الاساليب الطبية السليمة، والابتعاد كثيرا عن الأحلام التي يروجها البعض من خلال بعض الكبسولات أو الحقن أو العقاقير فهذه كلها بهدف الشهرة وجمع الأموال.
فلم تثبت الدراسات ولا الأبحاث أن الغلوتاثيون قادر على تفتيح البشرة حتى وإن حصل ذلك لبعض المصابين بالسرطان إلا أن المنظمة العالمية للأدوية لم توافق عليه ولم تعتمده، كما يمكن أن يكون هناك تأثيرات جانبية لهذا المنتج في حال تناول البعض منا للأدوية، وهذا الأمر غير مرغوب في الوصول إليه.
إن ما يهمنا هو السلامة العامة وعدم تعريض اجسادنا لمخاطر محتملة واللجوء دائما إلى المصادر الآمنة والطبيعية وعدم الركض وراء الاوهام وشراء الأحلام.
