تعيش
مدينة اللاذقية شمال سوريا حالة من الخوف في أعقاب ثلاثة أيام من القصف
المتواصل أسفرت عن سقوط عشرات القتلى، في وقت تكثف فيه قوات الأمن السورية
عمليات الدهم والملاحقات في عدة مدن أخرى لاحتواء المظاهرات التي تطالب
بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.
وأفاد بيان لاتحاد تنسيقيات الثورة
السورية بأن مدينة اللاذقية أصبحت شبه مهجورة حيث استأنفت قوات الأمن ظهر
الثلاثاء قصف عدد من أحياء المدينة بعد أن توقف القصف نسبيا في ساعات
الصباح.
وقال البيان -الذي حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- إن إطلاق
نار كثيفا حصل عصرا واستهدف حيي الرمل والغراف، فيما تم هدم منازل بأكملها
في حي مسبح الشعب، واجتياح كل من الطابيات والأشرفية مع إطلاق نيران كثيفة
من قبل الأمن.
وأضاف البيان أن أغلب مناطق اللاذقية تشهد إضرابا
متواصلا تضامنا مع سكان حي الرمل الذي تعرض للقصف والاقتحام مما تسبب في
نزوح عدد كبير من سكانه. وشوهد أفراد قوات الأمن يسحبون الجثث من الشارع
الرئيسي المحاذي لحي الرمل ويقومون بتنظيفه من فوارغ الطلقات والقذائف
والمخلفات.
وفي الرواية الرسمية للأوضاع في اللاذقية نقلت وكالة
الأنباء السورية (سانا) عن مصدر مسؤول قوله إن قوات حفظ النظام تطارد
مسلحين، وإنها اعتقلت عددا منهم وفككت عبوات ناسفة وألغاما زرعوها في شوارع
حي الرمل.
وكانت الوكالة قد نفت في وقت سابق قصف اللاذقية من
البحر، فيما قالت الخارجية الأميركية إنه لا يمكنها تأكيد أن البحرية
السورية قصفت اللاذقية، لكنها أقرت بأن هناك مدفعية في المدينة وإطلاق نار
على أبرياء على نسق المجازر التي حصلت في أماكن أخرى من البلاد.
في
مقابل الرواية الرسمية، قال بيان للجان التنسيق المحلية إنه لم يطلب أي أحد
في حي الرمل دخول الجيش، مشيرا إلى أن "الجيش يرافقه الأمن ومن يسمون
الشبيحة دخلوا الحي لأنه كان مسرحا لمظاهرات واعتصامات يومية تطالب برحيل
النظام، وننفي وجود أي عصابات مسلحة كما يزعم إعلام النظام".
وأوضح
البيان أن حي الرمل مع المنطقة المحاصرة (السكنتوري، عين التمرة، بستان
السمكة، بستان الصيداوي، مسبح الشعب) والتي يقوم الجيش باقتحامها تشكل ثلث
مساحة مدينة اللاذقية ومكتظة بما يزيد عن ثلاثمائة ألف نسمة. أما بقية
أحياء المدينة فقد شهدت تشديدا أمنيا وحصارا لمنطقة الصليبة وقطع الكهرباء
والاتصالات.
وقال اتحاد تنسيقيات الثورة اليوم، إن عدد القتلى في
مدينة اللاذقية خلال ثلاثة أيام من القصف, ارتفع إلى 34، بينهم طفلة عمرها
عامان، في خضمّ عمليات فرار جماعي من المدينة.
تطورات أخرى
وفي
تطورات أخرى، قالت مصادر للجزيرة إن ما لا يقل عن 18 شخصا قتلوا عندما
أطلقت القوات السورية الرصاص على متظاهرين في مدينة حمص (وسط) عقب صلاة
التراويح أمس. وكان المتظاهرون قد رددوا هتافات للتضامن مع اللاذقية وأخرى
لإسقاط النظام.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن شخصين قتلا في باب السباع بمدينة حمص الثلاثاء.
وفي
دير الزور قال سكان إن الجيش سحب أسلحته المضادة للطائرات من المدينة، إلا
أن حاملات الجند المدرعة ما زالت موجودة عند التقاطعات الرئيسية، وأن
القوات المدعومة بالمخابرات العسكرية داهمت منازل وتبحث عن معارضين.
وفي
هذه الأثناء، عبّرت منظمات حقوقية عن مخاوفها من العدد الكبير من حالات
الاختفاء القسري والاعتقال والتعذيب التي قالت إنها تشمل آلاف المتظاهرين.
وتقول
جماعات حقوقية إن 12 ألفا على الأقل اعتقلوا منذ بدء الاحتجاجات، ويوجد في
سوريا آلاف السجناء السياسيين أصلا، وتوضح منظمة العفو الدولية أنها أدرجت
أسماء 1700 مدني قتلوا هناك منذ منتصف مارس/آذار، وتقول واشنطن إن العدد
يصل ألفين، بينما تقول دمشق إن خمسمائة من أفراد الجيش والشرطة قتلوا.
وفي
مقابل المظاهرات المناهضة للنظام، ذكرت الوكالة السورية للأنباء أن الآلاف
في طرطوس -وهي مدينة صغيرة يقطنها عدد كبير من العلويين- قاموا بمسيرة
الاثنين للإعراب عن "تمسكهم بالوحدة الوطنية والحفاظ على أمن واستقرار
سوريا ودعمهم لبرنامج الإصلاح الشامل الذي يقوده الرئيس بشار الأسد". ووصفت
وكالة رويترز تلك المسيرة بأنها أحدث تجمع حاشد مؤيد للأسد تنظمه السلطات.
ردود فلسطينية
وقد
أثار تدخل الجيش السوري في اللاذقية ردودا فلسطينية متباينة إزاء تصريحات
متحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بشأن فرار
الآلاف من سكان مخيم للاجئين الفلسطينيين في حي الرمل.
فقد استنكرت
ما تسمى فصائل تحالف القوى الفلسطينية تصريحات مسؤول الأونروا حول ذلك
القصف، ودعت إلى عدم زج الفلسطينيين في الأحداث الجارية في سوريا، وعدم
توظيف واستثمار ذلك لمصلحة جهات معادية.
وقال أمين سر الفصائل
الفلسطينية بدمشق خالد عبد المجيد إن حي الرمل الفلسطيني لم يقصف على
الإطلاق، وإن العمليات العسكرية والأمنية تجري في حيين مجاورين لحي الرمل،
لكنه اعترف بمقتل فلسطيني نتيجة تبادل لإطلاق النار بين "المسلحين" في حي
السكنتوري والقوات الحكومية.
وأدان أمين سر منظمة التحرير
الفلسطينية ياسر عبد ربه "بشدة" اقتحام القوات السورية مخيم الرمل وقصفه
و"تهجير سكانه"، ووصف ما يجري "بالجريمة ضد الإنسانية".
أما المتحدث
باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة فقد دعا القيادة السورية إلى
اتخاذ الإجراءات التي تحول دون المساس بحياة اللاجئين الفلسطينيين بالمخيم.
حدود تركيا
وفي
التداعيات الإقليمية للأوضاع في سوريا قال وزير الدفاع التركي عصمت يلمظ
إن بلاده لا تنوي إنشاء منطقة عسكرية عازلة على الحدود الجنوبية مع سوريا
للحيلولة دون تدفق اللاجئين.
كما نفى مسؤولون في مكتب رئيس الوزراء
رجب طيب أردوغان ومن وزارة الخارجية تقرير محطة تلفزيونية تحدث عن تخطيط
أنقرة لإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع سوريا.
ويذكر أن قرابة 16 ألف مواطن سوري فروا إلى تركيا بسبب الاضطرابات الحاصلة في سوريا، وعاد حتى اليوم 9430 منهم إلى بلادهم.